آية الدعاء ومعناها - الدرس الأول

آية الدعاء ومعناها

الدرس الأول

قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة الآية: 185.

أولا: مناسبة الآية لم قبلها: قال الإمام الرازي رحمه الله: " في كيفية اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه:

الأول: أنه تعالى لما قال بعد إيجاب فرض الصيام وبيان أحكامه: {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} فأمر العبد بالتكبير الذي هو الذكر وبالشكر بيَّن سبحانه بلطفه ورحمته أنه قريب من العبد مطلع على ذكره وشكره فيسمع نداءه، ويجيب دعاءه، ولا يخيب رجاءه.

والثاني: أنه أمر بالتكبير أولا ثم رغبه في الدعاء ثانيا، تنبيها على أن الدعاء لا بد وأن يكون مسبوقا بالثناء الجميل، ألا ترى الخليل عليه السلام لما أراد الدعاء قدم عليه الثناء فقال أولا: {الذي خلقني فهو يهدين} إلى قوله: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} وكل هذا ثناء منه على الله تعالى ثم شرع بعده في الدعاء فقال: {رب هب لي حكما والحقني بالصالحين} الشعراء. هكذا ههنا أمر بالتكبير أولا ثم شرع بعده في الدعاء ثانيا.

والثالث: أن الله تعالى لما فرض عليهم الصيام كما فرض على الذين من قبلهم، وكان ذلك على أنهم إذا ناموا عليهم حرم عليهم ما يحرم على الصائم، فشق ذلك على بعضهم حتى عصوا الله في ذلك التكليف، ثم ندموا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن توبتهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية مخبرا لهم بقبول توبتهم، ونسخ ذلك التشديد بسبب دعائهم وتضرعهم. التفسير الكبير ج/5/101.

ثانيا: سبب نزولها: نقل علماء التفسير في سبب نزول هذه الآية عدة روايات وهي:

1-) قال الإمام القرطبي : روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قالت اليهود كيف يسمع ربنا دعاءنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مثل ذلك ؟ فنزلت هذه الآية.

2-) روي أن أعرابيا قال : يا رسول الله : أبعيد ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {وإذا سألك عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليومنوا بي} أخرجه ابن أبي حاتم.

3-) وعن الحسن قال : سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أين ربنا ؟ فأنزل الله عز وجل {وإذا سألك عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان} .

4-) وقال عطاء إنه بلغه لما نزلت {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعوا ؟ فنزلت: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان}.

5-) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فجعلنا لا نصعد شرفا، ولا نعلوا شرفا، ولا نهبط واديا، إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال: فدنا منا فقال: (يأيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنما تدعون سميعا بصيرا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ (لا حول ولا قوة إلا بالله) رواه الشيخان وأحمد. ومعنى: اربعوا على أنفسكم: أي ارفقوا بها وكفوا عن رفع الأصوات.

ثالثا: معنى الآية: وأما معناها فسوف أنقله من تفسير الإمام القرطبي رحمه الله تعالى فقد أسهب في شرحها معتمدا في ذلك على ماورد من الآثار، وأقوال العلماء من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وغيرهم. فقال فيه أربع مسائل:

الأولى: قوله تعالى: {وإذا سألك} المعنى وإذا سألوك عن المعبود فأخبرهم أنه قريب يثيب على الطاعة ويجيب الداعي، ويعلم ما يفعله العبد من صوم وصلاة وغير ذلك.

الثانية: قوله تعالى: {فإني قريب} أي بالإجابة وقيل بالعلم، وقيل: قريب من أوليائي بالإفضال والإنعام.

الثالثة: قوله تعالى: {أجيب دعوة الداعي إذا دعان} أي أقبل عبادة من عبدني؛ فالدعاء بمعنى العبادة، والإجابة بمعنى القبول، دليله ما رواه أبو داود عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدعاء هو العبادة، (قال ربكم ادعوني أستجب لكم) فسمي الدعاء عبادة؛ ومنه قوله تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} أي دعائي. فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسماه عبادة، ووعد بأن يستجيب لهم.

الرابعة: قوله تعالى: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} قال ابن عطية: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم. وقال مجاهد وغيره: المعنى فليجيبوا إليًّ فيما دعوتهم إليه؛ أي الطاعة والعمل. ويقال: أجاب واستجاب بمعنىً. (وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) وجزمت لام الأمر لأنها تجعل الفعل مستقبلا لا غير، فأشبهت إن التي للشرط. وقيل لأنها لا تقع إلا على الفعل. والرشاد خلاف الغي وقد رشد يرشد رشدا... قال الهروي: الرُّشد والرَّشَد والرشاد: الهدى والاستقامة؛ ومنه قوله تعالى: {لعلهم يرشدون}. انتهى تفسير القرطبي ج/ 2/ ص: 206-210.

رابعا: حكمة ورود الآية بين آيات الصيام وأحكامه: وهنا نجد أن الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني رحمه الله قد أجاب عن هذا بما يلي فقال: ويمكن أن نجيب بأن من الأغراض البيانية التنبيه على أهمية الدعاء في رمضان وللصائمين فيه، وأن رمضان من الأزمان المباركة التي تستجاب فيها الدعوات، ونحن نعلم أن ليلة القدر فيه هي ليلة عظيمة مباركة لا يرد فيها الدعاء.

وقد ورد عن فضل الدعاء في رمضان، ودعاء الصائم عند فطره طائفة من الأحاديث النبوية، منها الأحاديث التالية:

1-) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد) رواه ابن ماجة.

2-) قال عبد الله بن أبي مليكة : سمعت عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر : (اللهم إني أسالك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي)

3-) وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لا ترد دعوتُهم : الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين)

خامسا: الآية الكريمة نفت الوساطة بين العبد وربه: يقول الشيخ الصابوني رحمه الله: ظاهر نظم الجملة {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} أنهم سألوا عن الله، والسؤال لا يكون عن الذات، وإنما يكون عن شأن من شؤونها، فقوله في الجواب {فإني قريب} يدل على أنهم سألوا عن جهة القرب أو البعد، ولم يصدر الجواب ب (قل) أو فقل كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى نحو: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا} بل تولى جوابهم بنفسه إشعارا بفرط قربه منهم، وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائل من ذوي الحاجات " صفوة التفاسير ج/3. وأختم هنا بهذه الكلمة للشيخ مصطفى المراغي رحمه الله حيث يقول: والدعاء المطلوب هو الدعاء بالقول مع التوجه إلى الله تعالى بالقلب، وذلك أثر الشعور بالحاجة إليه، والمذكِّر بعظمته وجلاله، ومن ثم سماه النبي صلى الله عليه وسلم: (مخ العبادة)، وإجابة الدعاء: تَقبُّله ممن أخلص له وفزع إليه، سواء وصل إليه ما طلبه في ظاهر الأمر أم لم يصل، ونحو الآية قوله سبحانه: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} قاف. وعلى هذا فلا داعي لرفع الصوت في الدعاء، ولا إلى الوساطة بينهم وبينه في طلب الحاجات، كما كان يفعله المشركون من التوسل بالشفعاء والوسطاء" تفسير المراغي ج/1. وأخيرا أقول ما أحوجنا إلى الدعاء ونحن في العواشر من رمضان أسأل الله أن يتقبل منا صالح الأعمال والأقوال آمين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


Catégorie : مقالات - آية الدعاء ومعناها
Page lue 293 fois