أو إطعام - الدرس الرابع

فضائل إطعام الطعام

الدرس الرابع

الفضيلة الرابعة: إطعام الطعام من أعمال الخير الموعود عليها بالأجر عند الله تعالى: وذلك لما ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لو جدت ذلك عندي؟) رواه مسلم.

فهذه ثلاث خصال مرغب في عملها في الدنيا وهي: زيارة المريض، وإطعام الطعام لمن طلبه أو احتاج إليه، وسقي الماء. فهده الأعمال تدل على أن أجرها كبير عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، وهذا الحديث يتوافق مع قوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا..} سورة المزمل: 18.

الفضيلة الخامسة: تقديم الطعام للضيف وإكرامه به من علامة الإيمان: فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه). متفق عليه. والإحسان إلى الجار يكون من ضمنها إطعامه عند الحاجة إذا كان فقيرا ومحتاجا.

وروى الحاكم عنه صلى الله عليه وسلم: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم) وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: (إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر إلى أهل بيت جيرانك، فأصبهم منها بمعروف) أي أعطهم منها شيئا، والمرق ما طبخ من لحم ونحوه في الماء. ويكون الإحسان إليه بالإهداء ولا سيما في المناسبات. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحقرنَّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة) أي لا تستصغرنَّ أن تهدي لها قليلا، ولو كان المهدى فرسِن شاة، وهو عظم عليه قليل من اللحم، والمعنى: فلتهد لها على أي حال. وإهداء الطعام للجار من باب تأليف القلوب والمعاملة بالحسنى.

وأما إكرام الضيف فهو أمر مستحب ومن باب مكارم الأخلاق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فليكرم) وفي رواية: (فليحسن) وكل منهما لا يدل على الوجوب؛ لأن الإكرام والإحسان من باب البر والكرم. والإكرام يكون بالبشر والبشاشة في وجه الضيف، وطيب الحديث معه، والمبادرة بإحضار ما تيسر عنده من طعام وشراب. ويعرف عند العرب بالقِرى، والقِرى طعام الضيف.

الفضيلة السادسة: إطعام الطعام فيه الأجر ولو للحيوان: وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أنزع في حوضي، حتى إذا ملأته لإبلي ورد على البعير لغيري فسقيته، فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في كل ذات كَبِدٍ أجرا) رواه الإمام أحمد.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) متفق عليه. وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى تلك المرأة في صلاة الكسوف، حيث قال: (.. ودنت مني النار، فإذا امرأة تخدشها هرّة، قلت: ما شأن هذه ؟، قالوا: حبستها حتى ماتت جوعا، لا أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل). وجاء في رواية النسائي: (حتى رأيت فيها امرأة من حمير تعذب في هرّة... فلقد رأيتها تنهشها إذا أقبلت، وإذا ولت تنهش أليتها).

وهذه الأحاديث الواردة بشأن تلك المرأة التي دخلت النار بسبب القطة معللة بكون المرأة منعت الهرة من الطعام حتى ماتت، ومفهومه أنها لو أطعمتها أو تركتها تبحث عن طعامها لما دخلت تلك المرأة النار. وهذا يدل على أن إطعام الطعام لا ينبغي منعه حتى ولو كان للحيوان.

الفضيلة السابعة: إطعام الطعام نجاة من النار: ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يحث الناس على التصدق ولو بالقليل فإنه نجاة من النار. فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها، ثم قال: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة) متفق عليه. فقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار) بأن تتخذوا ما يقيكم من عذابها من صالح الأعمال والصدقة، (ولو) كان التصدق (بِشقِّ) أي نصف تمرة. قال السيوطي في مختصر النهاية: شق كل شيء نصفه ". دليل الفالحين ج/2 لابن علان الدمشقي. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: وفي الحديث الحث على الصدقة بما قل وبما جل، وألا يحتقر ما يتصدق به، وأن اليسير من الصدقة يستر المتصدق من النار. فتح الباري ج/3- ص: 342.

وفي رواية لهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة). أي فمن لم يجد شيئا يتق به النار، فليتق منها (بكلمة طيبة) أي قول حسن يطيب به قلب المسلم. دليل الفالحين ج/2 لابن علان الدمشقي.

وعن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله ، فقال: (إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار) رواه مسلم.. وبهذا الدرس نكون قد أنهينا الحديث عن فضيلة إطعام الطعام.

وأخيرا أسال الله ولكم التوفيق وجعلني وإياكم ممن ينفقون في سبيله آناء اليل وأطراف النهار وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال آمين.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


Catégorie : مقالات - أو إطعام في يوم ذي مسغبة
Page lue 292 fois