آية الدعاء ومعناها - الدرس الثاني

الدرس الثاني

التماس العفو الإلهي في ليلة القدر

اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني

من فضل الله تعالى على عباده أنه جعل لهم في أيام الدهر نفحات ليتعرضوا لها ويتنافسوا فيها بالدعوات، رغبا ورهبا إليه سبحانه، عسى أن يكرمهم بالإجابة والقبول، ومن تلك النفحات العظيمة، والأوقات المهمة في حياة المسلم شهر رمضان وعلى وجه الخصوص ليلة القدر، فمن دعا فيها، ووفقه الله تعالى للاستجابة، فقد فاز فوزا عظيما.

وهنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علمنا دعاء رائعا جامعا نافعا اشتمل على خيري الدنيا والآخرة، لمن أراد أن يفوز بالحسنيين، عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: قلت:(يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه الإمام أحمد، والترمذي وسنده صحيح. وفي لفظ لابن ماجة: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ قال: تقولين:(اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني).

هذا الحديث من جوامع الكَلِم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم، فقد كان يدعو بجوامع الكلم، كما ورد في الحديث عنها أيضا قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك) قال النووي رحمه الله: رواه أبو داود بإسناد جيد. فعلا، هذا هو الثابت في دعائه صلى الله عليه وسلم حيث كان يختار كلمات قليلة تكون معانيها واسعة جدا، مثل الدعاء الذي رواه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:(اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى) رواه مسلم.

وهذا الحديث تضمن أفضل الأدعية وأحبها إلى الله سبحانه، وأحبها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم لأن عائشة؛ لما سألته بما تدعو إن وافقت ليلة القدر فاختار لها هذا الدعاء؛ فهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأتقاهم لله؛ فلذلك أمرها بأن تدعو بهذا الدعاء الجامع، لما فيه من الخير العظيم في الدنيا والآخرة.

وأحب هنا، أن أتناول بعض النقاط التي وردت في الحديث، لنأخذ منه بعض الفوائد فهو قد اشتمل على فوائد كثيرة، يمكن أن نستفيد منها في حياتنا، استفادة عظيمة، وخاصة في هذه الأيام المباركة من شهر رمضان المبارك، وعلى الأخص في العشر الأواخر منه، لأن هذه العشر تشتمل على النفحة الربانية العظيمة، وهي ليلة القدر التي هي أفضل الليالي على الإطلاق. ولتوضيح الحديث كما ينبغي لا بد من اتباع منهجية سليمة، وذلك بتحديد النقاط التي تضمنها وهي:

أولا: تفسير المفردات:(اللهم) أصله يا ألله حذفت أداة النداء، واستعيض عنها بالميم المشددة، هكذا قال الخليل وسيبويه.(العفو) قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: والعَفُوُّ فَعولُ للمبالغة: الكثير العفو، وهو من الأضداد، يقال منه: عفا يعفو عفوا إذا سمح وأسقط فهو عفو، ويكون معناه أيضا الترك ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:(عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق) أي تركت ذلك لكم.(تُحِبُّ العَفْوَ) أي: تحب ظُهورَ هذه الصفةِ .(فاعْفُ عنِّي) أي: تجاوز عنِّي واصفح عن زَلَلي؛ فإني كثيرُ التَّقصير، وأنت أَولى بالعفْو الكثير.

ثانيا: أهمية الحديث: هذا الدعاء له أهمية كبيرة في حياة المسلمين جميعا؛ لأن كل فرد منهم يحتاج إلى عفو الله تعالى، فهم الفقراء إليه، وهو سبحانه الغني عنهم جميعا. وتظهر أهمية هذا الدعاء أيضا كونه مختصا بأشرف الأزمنة على الإطلاق، وهو ليلة القدر التي شرفها الله تعالى على سائر الليالي والأيام، وجعلها خيرا من ألف شهر. وإذا كان زمانها زمن الشرف، فإن الدعاء فيها يكون مستجابا، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل دعاء، وهو طلب العفو من المولى جل جلاله، فإن من حاز على العفو الإلهي، فقد حاز على شرف الدنيا والآخرة .

وفي أهمية هذا الحديث يقول أحد الأساتذة الأفاضل: في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الدعاء، دون غيره في هذه الليلة المباركة (ليلة القدر) كما دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، يدل على دلالة واضحة على أهميته، فالعفو هو سؤال الله تعالى التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه" الدعاء من الكتاب والسنة للشيخ وهف القحطاني ص:365.ولهذه الأهمية الكبيرة لهذا الدعاء، فإن الإمام النسائي أخرج في كتابه (عمل اليوم والليلة) عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت:(لو علمت أي ليلة ليلة القدر لكان دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية).

ثالثا: منهجية النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء: إذا استقرينا ما ثبت من الأدعية في السنة النبوية الشريفة، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم له منهجية خاصة يستعملها في دعائه صلى الله عليه وسلم أقتصر على ذكر بعضها، وخاصة الواردة في هذا الحديث الذي معنا، وذلك يتمثل فيما يلي:

1-) استعماله صلى الله عليه وسلم صيغة النداء (اللهم) : ومعناه يا ألله فهو صلى الله عليه وسلم يستعمل اسم الجلالة في النداء عند افتتاح الدعاء؛ لأن اسم الجلالة (الله) هو الاسم الذي ترجع إليه جميع الأسماء الحسنى، مثل قوله تعالى:{ هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ..}الحشر. ومثل قوله أيضا: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم ...} البقرة. وهكذا، فاسم الجلالة دائما في المقدمة؛ لأنه علم على الذات الإلهية. ولذلك نجد كثيرا من الأدعية النبوية مصدرة بهذه الكلمة (اللهم) ومن ذلك الحديث:(اللهم أنك عفو ...)

2-) الثناء على الله تعالى : ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث اصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عَيْن أبدا) ففي هذا الدعاء أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الله تعالى ثم دعا. وهذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته في الدعاء، وهذا كله فيه تعليم لأمته في كيفية الدعاء. وفي حديث طلب العفو، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عائشة رضي الله عنها أن تقول:(اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) حيث أثنى على الله تعالى بخصلتين اثنين وهما: أنه العفو أي أن الله جل جلاله من أسمائه الحسنى، وصفاته العظمى أنه (العفو) وهي صفة مدح وتعظيم لله عز وجل. ثم الخصلة الأخرى هي إثبات صفة محبة العفو (تحب العفو) وهي أيضا ثناء حسن على الله عز وجل، ثم أتى بعد ذلك الدعاء.(فاعف عني).

3-) التوسل بأسماء الله الحسنى : ومن أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء أنه يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وذلك حسب ما يقتضيه المقام، وهنا توسل النبي صلى الله عليه وسلم باسم الله العفُوُّ، وبأنه يحب العفو. وهذا ظاهر بين، وهذا التوسل في الدعاء تطبيق لقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف الآية:180. وقوله أيضا:{ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } الإسراء الآية:109.

4-) اختيار أوجز العبارات وأجمعها : ثم إنه من الأمور البارزة في دعوات النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوجز العبارة، ويختار منها ما كان جامعا وشاملا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ جوامع الكلم، بحيث يتوجه إلى الله تعالى في الدعاء بكلمات قليلة ولكن معانيها تكون واسعة وشاملة، من ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء:(اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) متفق عليه. والأمثلة في هذا كثيرة جدا.

والدعاء الخاص بطلب العفو من الله تعالى (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) احتوى على كلمات قليلة، ولكن ما تضمنه من المعاني فهي كثيرة جدا، ولهذا قالوا: فيه خير الدنيا والآخرة.

4-) اختيار الدعاء المناسب لكل ظرف: ومن أساليب النبي صلى الله عليه وسلم ومنهجيته في الدعاء أنه كان يختار لكل وقت أو ظرف أو حالة ما يناسبها من الدعاء، وفي الحديث لما سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه إذا وُفِّقت لليلة القدر كيف تدعو فأرشدها إلى الدعاء المناسب في الوقت الذي يترجح أن يكون الدعاء أو السؤال مستجابا عند الله تعالى، والمناسبة هي (ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر) فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:(اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) والحصول على عفو الله تعالى هو غاية كل مؤمن، ومقصد كل طائع، ورجاء كل خائف، ونهاية كل راغب في الثواب.

رابعا: ورود اسم العفو في القرآن الكريم: واسم الله العفو ورد عدة مرات، مرة واحدة مقرونا باسم القدير، ومرات أخرى مقرونا باسم الغفور، وهذا في الآيات الآتية: قوله تعالى: {...إِن اللّهَ كان عَفوًّا قديرا} النساء: 149.قال الإمام القرطبي: فندب إلى العفو ورغَّب فيه، والعفو من صفة الله تعالى مع القدرة على الانتقام. تفسير القرطبي ج/6. يقول الشيخ الصابوني رحمه الله في تفسير الآية: أي مبالغا في العفو مع كمال قدرته على المؤاخذة، قال الحسن البصري: يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام، فعليكم أن تقتدوا بسنة الله " حث تعالى على العفو وأشار إلى أنه عفو مع قدرته فكيف لا تعفون مع ضعفكم وعجزكم؟ صفوة التفاسير ج/1. وقوله تعالى: {إن اللّهَ كان عفُوّا غفُورا} النساء الآية:43. يقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله: ذيل الله سبحانه وتعالى الآية بهذا النص الكريم لبيان أن الله تعالى متصف بالعفو، فلا يختار لعباده إلا السهل اليسير الذي يسهل عليهم أداؤه من غير مشقة مرهقة، ويعفو عن التقصير في الواجبات الأصلية للأعذار، ويفتح باب الرخص، ويحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، ويجعل من كل ما هو شاق مرهق في مرتبة العفو دائما، وهو الغفار كثير المغفرة لمن يتوب إليه. وفد أكد سبحانه هذين الوصفين بثلاثة أمور: أولا: (إن) فهي من أقوى ألفاظ التوكيد. و(كان) فهي تدل على استمرار عفوه ومغفرته سبحانه، وبالجملة الإسمية فلها فضل توكيد في المعنى الذي اشتملت عليه. زهرة التفاسير ج/4.

وقوله كذلك: (فأولـئك عسى اللّه أن يعفُوَ عنهم وَكان الله عَفُوا غفورا) النساء:99. وقوله أيضا: {وإن الله لعفو غفور} الحج الآية:60. وإذا كان الفرق بين العفو والقدير واضح جدا، فما هو الفرق بين العفو والغفور ؟ قال الإمام الغزالي في المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى: والعفو هو الذي يمحوا السيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من الغفور ولكنه أبلغ منه، فإن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، والمحو أبلغ من الستر. وقوله أيضا: وإن الله لعفو غفور) المجادلة الآية:2.

خامسا: أهمية العَفْوُ عند النبي صلى الله عليه وسلم: بما أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأخشاهم له فإن الله تعالى علمه كل ما هو مفيد له، ولأمته، في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان يقول في الدعاء:(اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك) رواه مسلم. ولكون العفو صفة من صفات الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متخلقا بخلق العفو والصفح، بل هو من شمائله صلى الله عليه وسلم ولذلك ثبت في السيرة النبوية الشريفة أن غورث بن الحرث أحد شجعان العرب وفتاكهم كان يتتبع الجيش متخفيا، يتحين فرصة انفراد النبي صلى الله عليه وسلم للفتك به، وقد واتته تلك الفرصة الآن، فجاء حيث النبي صلى الله عليه وسلم نائم وسيفه معلق بالشجرة، فاخترَط السيفَ فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم – وغَوْرث قائم على رأسه والسيف مُصَلَّتًا بيده .فصاح الفاتك بالنبي صلى الله عليه وسلم – أتخافني ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا) قال: ومن يمنعك مني) فقال:(الله). وحينها انخلع قلب الفاتك واضطربت يده، وسقط السيف منها، فتناول النبي صلى الله عليه وسلم السيف ورفعه على رأسه، وقال لغورث: من يمنعك مني؟ فقال له غورث: كن خير آخذ. فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا أيضا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عفا عن أهل مكة حين قال لهم:(اذهبوا فأنتم الطلقاء) .

سادسا: حب الله تعالى للعفو: وقوله صلى الله عليه وسلم:(تحب العفو) أي أن الله تعالى يحب أسماءه وصفاته، ويحب من عبيده أن يتعبدوه بها، والعمل بمقتضاها وبمضامينها. وذلك أن الذنوب إذا ترك العقاب عليها يأمن العبد من استنزال الله تعالى، عليه المكاره والشدائد، حيث إن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب في إنزال المصائب، وإزالة النعم في الدنيا، أما الآخرة فإن العفو فيها يترتب عليه حسن الجزاء في دخول النعيم المقيم.

سابعا: أهمية العفو بين العباد: وإذا كان الله تعالى يحب العفو فإنه تعالى أيضا يحب أن يكون العفو بين عباده بعضهم بعضا، فيما يحب الله العفو فيه، ويكفي هذه الخلُق أهمية أن الله تعالى سمى نفسه بالعفو وقد رأينا ذلك فيما سبق.

وقد جاء في نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة مدح العفْوَ والعافين والأمر به، وهذا لأهميته بين عباده، ولأنه خلق عظيم، لا يتحلى به إلا أصحاب الهمم الكبيرة، والنفوس النبيلة. ولهذا السبب أمر الله نبيه أن يأخذ به في تعامله مع الناس جميعا. فقال: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} الأعراف الآية. وقال تعالى:{ والعافين عن الناس) آل عمران الآية:134.وهنا العفو ذكره الله ضمن صفات المتقين الذين أعدت لهم جنات النعيم، وأيضا قوله تعالى:{ فمن عفا وأصلح فأجره على الله }الشورى الآية:4.وفي هذه الآية الكريمة يبين المولى سبحانه فضل العفو وأن أجره عظيم.

وقوله أيضا: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} التغابن الآية:14. وهنا العفو مع الصفح والغفران من الناس، تكون النتيجة هي المغفرة والرحمة من الله سبحانه. وأما عن أهمية العفو في السنة، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم. ولقد أحسن من قال:

مكارم الأخلاق ثــــــــــــلاثة *** مَن كَمُلت فيه فذاك الفتى

إعطاء من يحرِمُه ووصل مَن *** يقطعه والعفو عمَّن اعتدى

ثامنا: لماذا يكون طلب العفو مع الاجتهاد في العبادة؟ وأختم هنا بأمر مهم ورد في الحديث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب عائشة رضي الله عنها وعن أبيها بأن تطلب العفو من الله سبحانه وتعالى مع أن العشر الأواخر من رمضان هي أوقات الاجتهاد في الطاعة والإكثار منها، وهي أعمال تكون سببا في غفران الذنوب والحصول على عفو الله تعالى، فلماذا نطلب العفو، ونحن مطيعون له جل وعلا؟ أجاب العلماء عن هذا بما يلي:

1-): وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر الأواخر، إيثارا للمقام الأعظم الأكمل والعمل الأسنى الأرفع، وهو بذل الوسع في العمل مع عدم رؤيته، والاعتداد به والتعويل عليه، لشهوده لتقصيره وعدم وفائه لما يحب لتلك الأعمال، وينبغي لها الكمالات والاعتبارات، فمن تأمل ذلك علم أنه ليس لنفسه عمل ولا قال ولا حال، فيرجع إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر.

قال يحيى بن معاذ: ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله سبحانه العفو" وكان مطرف يقول: اللهم ارض عنا، فإن لم ترض عنا فاعف عنا" يشير إلى أن من عظمت ذنوبه في نفسه لا يطمع في الرضا، وتكون غاية أمله أن يطمع في العفو" سطع البدر بفضل ليلة البدر لـ إبراهيم بموسى الحازمي ص:179-180.

2-): إن المقام مقام استجابة: وإذا اجتمع للإنسان شرف الزمان وشرف الدعاء وتحققت الشروط، فإن الاستجابة من الله تعالى تكون محققة، ولهذا كان عباد الله الصالحون حريصين أشد الحرص على اغتنام الأوقات الفاضلة، وشغلها بالأعمال الصالحة والإكثار فيها من الدعاء، لوجود النفحة الإلهية السانحة. ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله: الدعاء في ليلة القدر أحب إلي من الصلاة. قال: وإذا كان يقرأ ويدعو، ويرغب إلى الله في الدعاء والمسألة لعله يوافق.

3-) ثم إن العبد مهما أكثر من الأعمال الصالحة، فإنه لن يفي بحق الله تعالى فلولا فضل الله، ورحمته بعباده لما نجى أحد من خلقه. قال تعالى:{ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ...} فاطر الآية:46.ولقد أحسن القائل إذ يقول:

يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً *** فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ

إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ *** فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ

أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً *** فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ

ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلا الرَجـــــا *** وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ

اسأل الله لي ولكم العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا) أمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


Catégorie : - آية الدعاء ومعناها
Page lue 448 fois