آية الدعاء ومعناها - الدرس الخامس

الدرس الخامس

الحكمة من الدعاء

الحكمة الثالثة: الثناء على الله تعالى: والدليل على أن الدعاء من حكمه ومقاصده التي شرع لأجلها هو الثناء على الله تعالى بأسمائه الحسنى وأوصافه العظمى ما ورد في آيات كثيرة وأحاديث مستفيضة كلها دالة على الثناء على الله تعالى مصحوبة بالدعاء، أو أدعية متضمنة معنى الثناء.

وإذا تتبعنا نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، نجد أن الثناء مسألة أمر بها الباري سبحانه عباده في كتابه، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهجه في الدعاء، ومنهج جميع الأنبياء والصالحين من عباده، ودليل هذا ما ورد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة وتفصيل هذا أبينه فيما يلي:

أولا: من القرآن الكريم:

1-): أمر الله تعالى بالثناء عليه: - منها، قوله تعالى: ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} الأعراف الآية: 180.قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله: في قوله تعالى: (فادعوه بها) الفاء للإفصاح أي إذا كانت الأسماء صفات الكمال المطلق، فادعوه بها أي نادوه في دعائكم وضراعتكم إليه بها " زهرة التفاسير6/3015.وقال الإمام القرطبي: ( فادعوه بها ) أي اطلبوا منه بأسمائه، فيطلب بكل اسم ما يليق به، تقول: يا رحيم ارحمني، يا حكيم احكم لي، يا رازق ارزقني، يا هادي اهدني، يا فتاح افتح لي، يا تواب تب علي ؛ وهكذا .فإن دعوت باسم عام قلت: يا مالك ارحمني، يا عزيز احكم لي. يا لطيف ارزقني. وإن دعوت بالأعم الأعظم فقلت: يا ألله؛ فهو متضمن لكي اسم. ولا تقول يا رزاق اهدني؛ إلا أن تريد يا رزاق ارزقني الخير. قال ابن العربي وهكذا رتب دعاءك تكن من المخلصين" تفسير القرطبي /7/207.

- ومنها، قوله تعالى : {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الإسراء الآية : 109. أي ناده باسم الله أو الرحمن، فإنما هي صفات الله تعالى، وله أسماء غيرها تدل على جلاله وكبريائه، واتصافه بكل كمال، وذاته العلية واحدة. وقوله تعالى: {أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى} الأسماء التي تبلغ أعلى درجات الحسنى، التي ليس فوقها درجة، والحسنى مؤنث الأحسن، وأفعل التفضيل ليس على بابه، لأنه لا مفاضلة بين أسماء الله تعالى، وأسماء غيره". زهرة التفاسير لأبي زهرة.

- ومنها، أن تعالى شرف هذه الأمة بسورة أولها ثناء وتمجيد وهي سورة الفاتحة : {الحمد لله رب العالمين} إلى قوله : {وإياك نستعين} و سائرها دعاء {اهدنا الصراط المستقيم}.

2-) الثناء على الله تعالى من أهل الجنة : فقال تعالى مخبرا عنهم : {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم إن الحمد لله رب العالمين} سورة يونس : 10. يقول الشيخ أبو زهرة رحمه الله : ودعاؤهم لله هو تقديسه وتسبيحه وتنزيهه، لأنهم وصلوا إلى أقصى الغايات والمني فلم يبق إلا أن يسبحوه ويقدسوه وينزهوه" زهرة التفاسير 7/3224.وهكذا نجد أن الثناء على الله تعالى ليس فقط مختصا بأهل الدنيا بل هو أيضا أمر تلهج به ألسنة أهل النعيم المقيم في دار المقامة. اللهم اجعلنا منهم آمين يا رب العالمين.

3-): الثناء على الله تعالى قبل الدعاء طريقة الملائكة الأطهار: قال تعالى: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم * ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابآئهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم * وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم} غافر:7-9.وهنا نجد أن الملائكة الأطهار قد أثنوا على ربهم بالتسبيح وبسعة العلم والرحمة، ثم بعد ذلك دعوا الله تعالى لمن تاب إليه وأتبع سبيله.

4-): الثناء على الله تعالى طريقة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام: فهذا إبراهيم عليه السلام، لما أراد مناجاة الله تعالى في استقضاء حوائجه واستدرار ما في خزائنه، بدأ بالثناء على ربه قبل سؤاله، فبدأ بالتخليق والهداية، فقال كما أخبر الله تعالى عنه: {الذي خلقني فهو يهدين * والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} الشعراء 78-82.فأثنى على الله تعالى سبحانه بخمسة أمور: أنه الخالق الهادي، المطعم المسقي، الشافي من الأوصاب، والمحيي والمميت، والغافر. ثم سأل الله تعالى خمسة أشياء. قال الله تعالى: {رب هب لي حُكمًا وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم* واغفر لأبي أنه كان من الضالين * ولا تخزني يوم يبعثون} الشعراء: 83-87 .

فقضى الله حوائجه الأربع واعتذر في الخامسة، فقال في الأولى: {فقد ءاتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة} النساء: 54. وقال في قوله تعالى: {وألحقني بالصالحين} يوسف:101. {وإنه في الآخرة لمن الصالحين} البقرة: 130. وقال في سؤاله الثناء في الأمم: {وتركنا عليه في الآخرين} الصافات: 108.وقال في قوله: {واجعلني من ورثة جنة النعيم} الشعراء: 85. {رحمة الله وبركاته عليكم اهل البيت} هود: 73.واعتذر إليه في سؤال المغفرة لأبيه بآية: {فلما تبين له أنه عدو لله تبرَّأ منه} التوبة: 114.

ثانيا: من السنة:

1-) الأمر بالثناء على الله من النبي صلى الله عليه وسلم: روى أبو داود عن فضالة عن بن عبيد قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا في صلاته، لم يمجد الله، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عجل هذا، ثم دعاه فقال له أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بعد ما شاء ).وفي رواية: ( سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي فمجَّد الله وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اُدع تُجَب وسل تُعطَ ) أخرجه النسائي .ونص الحديثين واضح في تفضيل الدعاء المسوق فيه التمجيد والثناء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على غيره من الأدعية الخالية من ذلك.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أم سليم رضي الله عنهما غدت على النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: علمني كلمات أقولهن في صلاتي. فقال: (كبري الله عشرا، وسبحي الله عشرا، واحمديه عشرا، ثم سلي ما شئت، يقول: نعم، نعم) أخرجه الترمذي.

2-) ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ربه : ومن ذلك ما ورد في السنة النبوية الشريفة من الثناء على الله تعالى بجانب الدعاء : (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث اصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عَيْن أبدا) أخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم. ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا). ومن ذلك ما ورد في الدعاء المعروف بسيد الاستغفار: ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) أخرجه البخاري في صحيحه. ومنه (اللهم فاطِرَ السماوات والأرض عالم الغيبِ والشهادة؛ ربَّ كُلِّ شَيءٍ ومَلِيكَه، أشهد أن لا إله أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما.

3-) ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ربه يوم القيامة قبل الشفاعة: من المعلوم كما ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للخلائق يوم القيامة عند ربه تبارك وتعالى، ويكون وسيلته في ذلك الثناء والحمد لله .فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ...فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدا لربي عز وزجل، ثم يَفتح علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تُعطَه، واشفع تُشَفَّع ...) رواه البخاري - كتاب التفسير- تفسير سورة الإسراء. وهكذا يظهر أنه أن ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على ربه الجليل وحمده إياه سيكون بابا لقبول السؤال في الشفاعة العظمى يوم القيامة. وهذا يدل على أن الثناء والحمد والتمجيد لله تعالى له أثر كبير وأن الثناء على الله تعالى مقصود لذاته، وأنه وسيلة لقبول الدعاء وأدب من أدابه وتضرع وخشوع أمام ذي العزة والجبروت سبحانه وتعالى.

وأختم هذه الحكمة من الدعاء (الثناء على الله تعالى) بكلمة لطيفة للإمام النووي رحمه الله حيث يقول: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة " الأذكار النووية.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 


Catégorie : - آية الدعاء ومعناها
Page lue 367 fois